} -->
Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

الخميس، يوليو 19، 2012

الصيام معجزة علمية ...

الصيام معجزة علمية إن الأخطار والأضرار الناتجة من كثرة الأكل وكثرة تنوع الأغذية التي يلتهمها الإنسان بلا موعد أو ضابط باتت حقيقة لا نزاع فيها. كما أن الإنسان في العصر الحديث - كما يقول الدكتور ماهلر في بحث له عن السمنة - لا يأكل لأنه جاع بل يأكل ليرضي شهوته للطعام. هاتان الحقيقتان يؤكد عليهما الدكتور عبد الجواد الصاوي في كتابه: "الصيام معجزة علمية" الذي يقع في 230 صفحة، والذي يجمع خلاصة ونتائج عدد كبير من الأبحاث العلمية التي تناولت الصوم كما هو في الشريعة الإسلامية، وليس الصوم بمعنى التجويع، أو الصوم الطبي، وهو يعد من الكتب النادرة في هذا المجال.
ويستدل المؤلف بقول الدكتور (بلا كبورن) أستاذ الجراحة بكلية الطب في جامعة هارفارد بعد أن درس بعض التأثيرات الفيزيائية للصوم: أن من المؤكد ان الأكل خصوصا المتعاقب (إدخال الطعام على الطعام) يشكل عبئا ثقيلا بالتمثيل الغذائي على الجسم فيفرز كميات كبيرة من هرمونات الجهاز الهضمي والأنسولين، وأن قطع هذه العادة سيقلل من إفراز هذه الهرمونات مما يحفظ صحة الجسم ويعطي للإنسان حياة أفضل. ولقد أجريت تجارب في مركز أبحاث جيرونتولوجي في بالتيمور فوجد أن فئران التجارب التي تأكل يوما بعد يوم يزيد عمرها (63) أسبوعا أكثر من مثيلاتها التي تسمح لها بالأكل كلما تريد، كما أنها كانت الأكثر نشاطا في الأسابيع الأخيرة من عمرها.
ويؤكد الكاتب على أن دراسة الحكمة الظاهرة من التشريعات الإسلامية أمرا مهما ليزداد الذين آمنوا إيمانا. وهذه الحكمة مجال لدعوة الآخرين إلى هذه التعاليم السمحة التي تفيد الإنسان في دينه ودنياه وفي حياته الروحية والنفسية والجسدية.
فوائد الصوم والحكمة منه
طبق المؤلف في كتابه منهجا علميا تطبيقيا لإيضاح فوائد الصيام وإعجازه وأنه وقاية من العلل والأمراض النفسية والجسمية وهو تحقيق لقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" (البقرة: 183) فكان من جوانب هذه التقوى اتقاء العلل النفسية والجسمانية.. وهو أيضا تحقيق لقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: "الصوم جنة" والجنة هي الوقاية والستر.. واعتبر المؤلف الوجه الثاني من الإعجاز، هو منافع جمة للأصحاء والمرضى. وهو معنى يزيد عن الوقاية، فهو علاج لبعض الأمراض، كما أنه يحسن صحة الأصحاء ويرفع مستواها وأداءها. واستدل المؤلف على ذلك بقوله تعالى: "وأن تصوموا خير لكم" (البقرة: 184) فهذه الخيرية للصحيح والمريض على السواء وللمقيم والمسافر إلا عند حدوث المشقة فيأتي العذر.
أما الوجه الثالث للإعجاز كما أورده المؤلف فهو أن الصيام المشروع في ديننا الحنيف سهل ويسير ولا يسبب مشقة للجسم أو إجهادا للنفس "وليس المقصود بالمشقة المشقة اليسيرة المحتملة فهذه لا بد منها في جميع التكاليف". وقارن المؤلف بين الصيام المشروع لدينا وبين ما يسمى الصيام الطبي ـ وهو التجويع الكامل لفترة من الزمن تتراوح ما بين أسبوع أو عدة أسابيع مع السماح بشرب الماء القراح ـ وأوضح البون الشاسع بين الصيام الشرعي ويسره وبين خطورة ما يسمى بالصيام الطبي وأنه يحتاج لإشراف طبي ودخول الشخص إلى مصحة ليصوم هذا النوع من الصيام.
وهذا الأمر تحديدا يعد من الأهمية بمكان لأن بعض الأطباء يذكر أضرار الصيام وأنه قد يؤدي إلى هلاك الصائم في بعض الحالات، والمقصود بذلك كله ما يسمى: "الصيام الطبي" الذي لا علاقة له بالصيام الشرعي الإسلامي.  هذا رغم حدوث فوائد عديدة لكثير ممن يصوم الصيام الطبي إلا أنه يحتاج لإشراف طبي حتى يتوقى المرء ما قد يحدث فيه من محاذير.
هل الصوم حرمان؟
أهم المفاهيم غير الصحيحة عن الصوم في هذا الزمان التي أوردها المؤلف أن كثيرا من الناس يظنون أن الصوم هو حرمان الجسم بأنسجته وخلاياه من عناصر التغذية في الطعام والشراب وأن الجسم البشري كالآلة الصماء التي تعمل بالوقود، فإن حرمت منه توقفت عن العمل والحركة، كما يخلط بعض الأطباء بين التجويع المطلق وبين الصيام الإسلامي، فيحملون الثاني كل آثار الأول وأخطاره، لأن المدرسة الطبية الغربية وعلى نهجها تسير المدارس العربية والإسلامية ـ لا تدرس في مناهجها إلا التجويع وتسميه أحيانا الصيام، ولا تشير من قريب أو بعيد إلى الصيام الإسلامي، وبهذا الظن والخلط شكك الجهلاء في حكمة الصيام وفائدته، وفرط ضعاف الإيمان في الالتزام به وأعطيت التوجيهات الطبية لبعض المرضى بالإفطار في شهر الصيام بغير ضوابط علمية مستيقنة. ولكن الحقيقة التي ثبتت بيقين ـ بعد تقدم العلوم المذهل في هذا الزمان ـ أن للجسم البشري مخازن هائلة للطاقة تتيح له العمل والحركة لعدة أيام والبقاء لعدة شهور من غير أن يتناول فيها أي طعام قط، كما أن الصيام الإسلامي يختلف عن التجويع في أمور كثيرة وجوهرية تجعله صياما متميزا سهلا ميسورا لا يشكل أي مشقة أو شدة على الجسم البشري، بل إن له من الفوائد والمنافع الوقائية والعلاجية لعدد من الأمراض الجسدية والنفسية ما يحتم كونه ضرورة حيوية للجسم والنفس البشرية ويجعله معجزة من معجزات التشريع الإسلامي الذي جاء به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
وكما أن تصورات الناس ومعتقداتهم هي الدافع والمحرك لسلوكهم، وفقا للكاتب، فكثيرون منهم أسرى لبعض المعتقدات الخاطئة عن الصحة والطعام، فقد اصطلح الناس على أن تناول ثلاث وجبات يوميا، أمر ضروري لحفظ حياتهم وباتوا يعتقدون أن إغفال وجبة طعام واحدة سيكون له أثر سلبي على صحة الفرد وسلامة بنيانه.
لذلك يهيب الكاتب بالمسلم ويحثه على أن يبني ثقافته وأفكاره على أوامر ربه وتوجيهات رسوله عليه الصلاة والسلام والتي أكدتها حقائق العلم في كل ميدان.
لقد أنزل الله سبحانه في الطعام والشراب تشريعا محكما فأحل الطيبات وحرم الخبائث ووضع قاعدة الاعتدال في تناول الطيبات قال تعالى: "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا" (الأعراف: 31). ولِعظم هذه القاعدة وفضلها وأثرها الخطير على حياة الناس سماها الإمام ابن القيم (القاعدة الذهبية في حفظ الحياة البشرية).
لقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إشارة جلية إلى أخطار وأضرار الأكل وبين حدود الاعتدال في تناوله في الحديث: "ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه  فإن كان لا بد: فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه".
ويضيف الكاتب أن الله شرع الصيام تزكية لنفس الإنسان وتهذيبا لسلوكه ووقاية وعلاجا مما قد يصيبه من علل وآفات في نفسه وجسده من جراء كثرة الأكل ودوامه، فهل يفقه المسلمون تشريعات دينهم ويعقلون الحكمة منها ـ حتى يكونوا على بصيرة من أمرهم ولا يكونوا إمّعة تابعين لكل ناعق ـ من أصحاب الشبهات والشهوات الذين يأكلون كما تأكل الأنعام؟ الذين يريدون بنا أن نستعبد لبطوننا وشهواتنا ليسهل لهم حينئذ قيادنا وإضلالنا فهل من عقلاء حكماء يبصرون الأمة بتشريعات ربها وسنة نبيها ويصدون الهجمة الشرسة التي تغزو العقول وتشغل أصحابها بحشو البطون.
وذكر الكاتب أنه من العجيب أن جميع الكائنات الحية غير الإنسان تسير وفق قانون الحصول على عناصر غذاء الأرض اللازمة لها في طعامها وشرابها، فتأخذ من هذه العناصر والمركبات على قدر حاجتها حتى نجد أن شهية الحيوان للطعام ترتبط بالحاجة الحقيقية له أو لما سخرت من أجله، فقد يمتنع الحيوان عن تناول الطعام لفترة طويلة قد تصل إلى عدة شهور كما في حالة البيات الشتوي لبعض الحيوانات، أو يتناول وجبات متباعدة جدا كما في بعض الثعابين، أو يمتنع الحيوان عن الطعام خلال فترة المرض أو الإصابة بكسر أو جرح كما هو حال الخيول والقطط والكلاب، أو عندما يريد الحيوان السفر والهجرة أو التكاثر كما في سمك السلمون وبعض الطيور والثدييات.
أما الإنسان فقد تنفصل الشهية لديه لتناول الطعام عن حاجته الحقيقية له، كما يذكر المؤلف، فتراه يلتهم منه ما يزيد عن حاجته، وغالبا ما يحدث ذلك عند وفرة الطعام بأنواع مختلفة وأشكال عديدة، ويتراكم الفائض منه في الجسم فيضطرب لذلك التوازن الدقيق لعناصر مكوناته، وتتراكم سموم الأغذية في أنسجته فيحدث الخلل وتظهر الأمراض والعلل.
وفي نهاية الكتاب قدم المؤلف بعض التوصيات التي من الممكن أن تسهم في تغيير المفاهيم الخاطئة عن الغذاء لدى بعض العامة والخاصة، منها:
ضرورة أن يتحرر المسلم من الأوهام والمعتقدات الخاطئة والسلوك الضار في موضوع الصيام والغذاء وأن يعيد إصلاح أفكاره وبناء سلوكه وعاداته وفق توجيهات ربه وسلوك نبيه وأن يستعلي فوق شهواته وألا يكون الطعام هدفه الذي يحيا من أجله وأن يعيش لغاية أسمى وهي تحقيق مرضاة ربه قائما بأوامره ناصرا لدينه محبا لعباده ومعينا لهم.
أن يدرك المسلمون الحكمة الحقيقية من الصيام وأن يلتزموا بسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام وصحابته في أدائه على الصورة المثلى والتي يمكن أن تتحقق بالآتي:
ـ تناول وجبة السحور وعدم إهمالها.
ـ تقليل فترة الصيام اليومي وذلك بتعجيل الفطور وتأخير السحور.
ـ الاعتدال في الطعام والشراب أثناء السحور والإفطار والاقتصار عليها وترك عادة كثرة الأكل طوال الليل.
ـ القيام بالحركة والنشاط والجهد اليومي المعتاد.
ـ نوم جزء من الليل وترك السهر المتواصل.
ـ على أجهزة الإعلام في العالم الاسلامي أن تكف عن دفع الناس إلى مزيد من الشراهة واستهلاك الكثير من الغذاء خاصة في شهر رمضان عبر الإعلانات التجارية ـ التي تستهدف الصغار قبل الكبار ـ وألا تجري وراء العادات والتقاليد الخاطئة للناس وأن تكون أداة لتصحيح المفاهيم وترشيد السلوك، حيث إن شهر رمضان ليس شهر الطعام والكسل والنوم، بل هو مدرسة تربوية للنفس الإنسانية.
ـ ليعلم الجميع أن الصيام مدرسة عملية للاقتصاد وتعويد النفس الصبر والجلد وقوة التحمل عند الأزمات والملمات وضبط النوازع والرغبات، وكل هذا لا يريده أعداء المسلمين فنناشد الجميع أن يفطنوا لذلك ويحرصوا على جني ثمار صومهم بتزكية أنفسهم وصحة أبدانهم وتوفير وجبة طعام واحدة يقدمها المستغني عنها لإخوانه الذين يعانون من وطأة الفقر والتنصير في بعض بلاد المسلمين.
ـ نحثّ المسلمين الذين اعتادوا بعض العادات الضارة بالصحة كالتدخين ومن أصيب منهم بداء تناول المخدرات أن يقلعوا عن هذه الآفات مع التوبة الصادقة من هذه المآثم المهلكات وتوجيه طاقاتهم إلى كل نافع مفيد لهم في دينهم ودنياهم، كما نحث الأطباء والعاملين في الحقل الصحي أن يقوموا بدورهم في محاربة هذه الخبائث وأن يكونوا قدوة بأفعالهم وسلوكهم.
ـ ضرورة الاهتمام بالدراسات والأبحاث التجريبية المتعلقة بالصيام من قبل المتهمين بالطب الإسلامي في الجامعات ومراكز البحوث ونشر هذه البحوث وفق ضوابط علمية واحدة حتى تسهل مقارنة النتائج.
ـ على الأطباء المسلمين اعتماد الصيام الإسلامي المثالي كوسيلة فعالة من وسائل الوقاية والعلاج لكثير من الأمراض والاضطرابات في جسم الإنسان وإعادة النظر في بعض الأفكار التي تتعلق بتغذية المرضى.
واختتم الكاتب كتابه بقوله: إن الصوم مازال كنزا مجهولا لدى المهتمين بصحة الإنسان وعلى رأسهم الأطباء والمشتغلون بتطبيب ورعاية المرضى وأنه يجب أن يرفع الصوم من جديد على المكانة الرفيعة التي كان يتسنمها حيث كان الصوم فوق الطب وقد ألح العلماء على وجوب اكتشاف الصوم من جديد وإعادة الاعتبار إليه لأنه ضرورة تقتضيها الحياة وأن على الأطباء واجبا أن يبينوا للناس أخطار وأضرار كثرة الأكل وكثرة تنوع الأغذية التي يلتهمها الإنسان بلا موعد أو ضابط وبث التوعية في المجتمعات الإسلامية بما أمر الله به في هذا الباب وبما حث وندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله.
المصدر: الفقه الإسلامي (بتصرف).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء عدم كتابة كلمات مزعجة

LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...
-